تحليل مسرحية أوديب ملكاً

تحليل مسرحية أوديب ملكاً

تحليل مسرحية أوديب ملكاً
تعتبر مسرحية أوديب ملكاً أحد أشهر المسرحيات القائمة في الأدب المسرحي، فقد ألهمت الكثير من المفكرين والشعراء والكتاب، وأثمرت خيالهم منذ القدم وحتى يومنا هذا، وقد كتبها الكاتب سوفوكليس في منتصف القرن الخامس ما قبل الميلاد، وبعد ذلك قام الأديب المصري توفيق الحكيم بكتابتها مرة أخرى بنسخة عربية بطابع إسلامي، وأصبحت تتميز بروعة النص والسهولة في الأسلوب، مع المحافظة على الفكرة الرصينة التراجيديا الإغريقية الأصلية. وبخصوص تحليل مسرحية أوديب ملكًا، فهي تناقش بعض الأفكار مثل القتل، تجلي الحقيقة، الهجرة والسفر، صدق الأحلام والرؤى، الذكاء مقابل الغباء، والعدل الإلهي.


تحليل مسرحية أوديب ملكاً:

لاقت مسرحية أوديب ملكا رواجاً هائلاً على الصعيد العالمي، فهي تعتبر جوهرة مضيئة تزداد تألقاً مع قراءتها ودراستها، لأنها قادرة على الربط بين الإنسان والكون المحيط به في خيوط عنكبوتية متشابكة تصل بعضها ببعض، فنجد أن تحليل هذه المسرحية يأتي كالتالي:

1. تبدأ المسرحية عندما يتنبأ أحد الكهنة للملك (لايوس) أن زوجته سوف تنجب ولداً، وعندما يكبر سوف يقوم بقتل والده ويتزوج من أمه، ولذلك عندما ولدت زوجته ولد أمر لايوس أحد الخدم بأن يقيده من قدميه ويربطه في قمة الجبل ويتركه حتى يموت وهنا تتجلى فكرة الموت منذ بداية المسرحية.

2. عثر شخص ما على الطفل وحمله إلى قصر (بوليب) لكي يعتني به ملك مملكة (كورنثة) وزوجته الملكة، لأنهما لايمكنهما إنجاب الأطفال، وقامت الملكة بإطلاق عليه اسم (أوديب) وهذا يشبه بحد كبير قصة سيدنا موسى الذي تربى في القصر بنفس الطريقة.

3. يكبر أوديب وهو يظن بأنه ابن الملك والملكة، ولكن في أحد الأيام قام أحد أقاربه بمناداته باللقيط، ولذلك يقرر أوديب الذهاب إلى معبد دلفي حتى يعرف الحقيقة وهذا يعني أن فكرة انقشاع الوهم أو تجلي الحقيقة بدأت أن تظهر.

4. وهناك يعرف حقيقته بأنه من المقدر له بأن يقتل والده ويتزوج من والدته ويجلب التعاسة للمدينة بأكملها، وهنا يقرر بأنه لن يرجع إلى كورنثة، لأنه يظن بأن المقصود بوالده ووالدته هما ملك وملكة كورنثة وهذا يظهر فكرة الحقيقة مقابل الوهم والوهم هنا فكرة انه سيقتل من ربوه.

5. بعد ذلك يمضي في طريقه بمفرده حتى يصل إلى مفترق طرق، ويجد نفسه أمام عربة تحمل أعداد كبيرة من المسافرين الذين يحرسون رجل مسن، وتنشب معركة بينه وبين هؤلاء الحراس تنتهي بقتل أوديب للرجل المسن الذي كان والده الحقيقي، وهنا مرة أخرى تتكرر فكرة القتل.

6. وصل أوديب إلى مدينة طيبة "وكانت تعتبر مسقط رأسه ولكنه لا يعلم ذلك" ويجد حيوان مفزع وغريب يطلق عليه اسم أبو الهول، وكان جسده جسد لبؤة ورأسه رأس امرأة ويقبع فوق صخرة، ويلقي الألغاز على الناس وإذا لم يعرف الفرد حل اللغز يقوم بابتلاعه وهذا يدل على عدم الرحمة.

7. عندما اقترب أوديب منه سأله أبو الهول سؤال وهو: ما هو الحيوان الذي يمشي على أربع في الصباح، وعلى اثنين في الظهيرة وعلى ثلاثة في المساء؟

8. فأجابه أوديب بأن الإجابة هي الإنسان، لأنه في طفولته يزحف على أربع "اليدين والقدمين" وعندما يكبر يسير على قدمين، وحين يصبح شيخاً يتكئ على عصا لكي يسير بذلك على ثلاثة، وهذا يشير إلى فطنة أوديب في بعض الأحيان وغباءه في كثير من الأحيان كهجرته لمدينة كورنثة ثم قتله أبيه المسن.

9. وبعدها استشاط أبو الهول غضباً لأن إجابته كانت صحيحة وألقى بنفسه من فوق الصخرة ومات، ولأن أوديب تخلص من أبو الهول، قام أهل طيبة بتتويجه ملكا عليهم وتزويجه من الملكة جوكاستا "هي كانت في الحقيقة أمه"، وهذا هو تفسير رؤيته.

10. تنجب الملكة ولدين وبنتين من أوديب ويعيش الشعب في حالة من النعيم والرفاهية لفترة، ثم تحدث مجاعة ويصاب الناس بالطاعون، فيطلب الشعب من أوديب أن يشفع لدى الآلهة.

11. عندما يذهب أوديب إلى المعبد يخبرونه بأن هناك شيئًا قذراً يسكن في تلك المدينة، ولابد من أن يتخلصوا منه، بالإضافة إلى ضرورة الكشف عن قاتل الملك لايوس ومعاقبته.

12. يكتشف أوديب من الكاهن تريسياس بأنه هو نفسه الرجس الذي ينبغي التخلص منه، فلم يصدقه في البداية، ولكنه استدعى الراعي الذي أمره أبوه بقتله، حتى تأكد من الحقيقة.

13. لم تتحمل زوجته جوكاستا هذا الإثم وانتحرت، واقتلع أوديب عينيه ليحقق العقاب الذي تفرضه النبوءة على مرتكب الجريمة، ثم ينفي نفسه ويوصي (كريون) على أطفاله وهنا تتحقق فكرة العدالة في نهاية المسرحية.


ما هو معنى كلمة أوديب؟

أوديب هي كلمة يونانية معناها "تورم القدمين".


لماذا تعتبر مسرحية أوديب ملكا النموذج الأول للتراجيديا؟

وذلك لما تحمله من مأساة بالغة، فقد أوديب كان دمية فقط، حيث حكم عليه بمصيره الفظيع منذ أن كان رضيعًا.


تحليل شخصيات مسرحية أوديب ملكاً:

تعتبر الشخصيات هي العنصر الرئيسي في أي مسرحية، ويتجلى ذلك في شخصيات مسرحية أوديب ملكاً التي تلعب دور كبير في نجاحها، ويأتي تحليل شخصيات هذه المسرحية كالتالي:

1. أوديب: 

هو بطل ومحور رواية أوديب ملكا، وهو يتصف بذكائه الشديد وقدرته على فهم الألغاز وحلها.

2. جوكاستا: 

هي والدة أوديب وزوجته، وهي تظهر في المشاهد الأخيرة للمسرحية بكثرة، حيث حاولت صنع السلام بين كريون وأوديب.

3. أنتيجون: 

هي طفلة أوديب وأخته أيضًا، وهي تظهر في نهاية المسرحية لفترة وجيزة، عندما تقوم بتوديع والدها.

4. بولينيكس: 

هو ابن أوديب وأخوه أيضا، وقد ذهب إلى كولونوس لكي يطلب بركة والده أثناء معركته ضد أخيه إتيوكليس طمعاً في السلطة، وقد حاول الإشارة إلى التشابه بين وضعه ووضع أوديب بكلمات جارحة وانتهازية.

5. كريون: 

هو صهر أوديب، وقد ادعى في بداية المسرحية بأنه ليس لديه أي رغبة في السلطة، ولكنه يبدو متحمسا للاستيلاء على السلطة عندما تسنح له الفرصة، وقد حكم مدينة طيبة بشكل أعمى وبدون تعاطف لأنه بيروقراطي ومتسلط ولديه العزم على تأكيد سلطته.

6. إيسمان: 

هي الابنة الصغرى للملك أوديب وجوكاستا.

7. الخادم: 

هو راعي عجوز، وهو أحد الخدام السابقين للملك لايوس الذي أمره الملك أن يقتل أوديب.

8. تيريسياس: 

هو العرّاف العجوز الأعمى الذي يذهب أوديب إليه لكي يستشيره في سبب الطاعون الذي عذب مدينة طيبة، وهو الذي يخبره عن حقيقته.


عقدة أوديب:

عقدة أوديب هي مفهوم عام أنشأه الطبيب سيجموند فرويد، وقد استوحاه من الأسطورة الإغريقية أوديب ملكا، وأهم ما يمكن معرفته حولها هو ما يأتي:

● هي عقدة نفسية يتم إطلاقها على الذكر المتعلق بأمه ويحبها حباً شديداً، وأيضًا يغير عليها من والده.

● هي مصطلح يوضح المشاعر والأفكار الجنسية المكبوتة في العقل الباطن لدى الطفل تجاه أمه.

● تظهر هذه العقدة في نظرية التحليل النفسي الكلاسيكية عندما يتراوح سن الطفل بين 3 إلى 6 سنوات.

● تنتهي عندما يبلغ الطفل العام الخامس له، حيث يفهم أنه لا يتمكن من أن يأخذ مكان والده، وهذا يدفعه إلى البحث عن فتاة شبيهة بأمه عندما يكبر.


مسرحية الملك أوديب دراسة مقارنة بين توفيق الحكيم وسوفوكليس:

يوجد نسختين لقصة أوديب ملكا، الأولى لسوفوكليس والثانية لتوفيق الحكيم، وتتشابه القصتان في العديد من النقاط وتختلف في نقاط أخرى، وذلك كالتالي:

مظاهر التشابه:

● البداية واحدة وهي تتمثل في اللعنة التي نزلت بلايوس وابنه أوديب.

● جوكاستا هي الزوجة الوفية التي تمثل صوت العقل.

مظاهر الاختلاف:

● قيام توفيق بتوظيف الكثير من الشخصيات في المسرحية على عكس سوفوكليس.

● شخصية أوديب عند توفيق معقدة أكثر لأنه يبحث دائماً عن حقيقة أصله، وهو مهموم بالمرض الذي نزل بشعبه.

● أوديب عند سوفوكليس مقتنع بأنه الشخص الوحيد الذي يستحق العرش لقيامه بحل اللغز.

● أوديب عند توفيق لا يؤمن بوجود وساطة بين البشر والآلهة وهو يجادل دائمًا في الحقيقة، أما عند سوفوكليس فهو مقتنع تماما بالصلة بين الكهانة والوساطة.

● حوار كريون لأوديب في آخر المسرحية يؤكد قذارة أصل أوديب لدى سوفوكليس، بينما لدى توفيق فقد ترفق به وأوضح مدى عظمته.

● تظهر مشاعر الإثم لجوكاستا عند توفيق أكثر، لأنها تتألم بعد أن عرفت الحقيقة وخاصة عندما تتذكر أن أطفال أوديب هم في الأصل أخوته، ولكن سوفوكليس جعلها تنتحر مباشرة لكي تكفر عن ذنبها.

● يذكر توفيق بأن أوديب قتل والده بدون قصد وأنه كان يدافع عن نفسه عندما رفع صولجانه عليه ليضربه، بينما سوفوكليس يؤكد أنه قتله عن عمد في لحظة غضب منه، وجعله يستحق ما يحدث له.
تعليقات
ليست هناك تعليقات




    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -